الثلاثاء، 16 أبريل 2019

لعبة الكتابة -٢-


لا أريد أن أكتب.. أنا أبحث عن هواية أكثر فتكا بالإنسانية.. عن موت فرعوني يحنط جمجمتي، أو آلة تخذير أفعوانية أنزلق فيها عن وعيي، فتساقط من رأسي علامات الاستفهام وتضيع الفواصل، تعترف بالسر نقاط الحذف والأقواس المغلقة تفتح أبوابها..
ماأقسى الكتابة!
كلعنة الهية تطارد الحالمين والعاشقين، المفكرين والمغمورين فتقتلهم ..
أو كيد شفافة خفية تعبث بأرواح الملائكة فتحرضها على الخيانة..
منتهى الخيانة أن تكذب الملائكة وتمسح أخطاءها من دفاتر الشمال..
الكتابة حياة..
ولماذا أنا كلما كتبت أموت وكأني أحفر بفؤوس الحروف تابوتا من وهم؟ أو أرسم على أصابعي وشما أبديا، يتغذى على رماد الذاكرة؟
لماذا كلما كتبت أتذكر الأخطاء، الوجوه والدموع، ووصايا الصبر المبجلة؟ أتذكر نساء الأرز المقوسات تحت كومات الحطب، وأطفال الثلج النائمين بلا بطانيات؟
لماذا كلما كتبت تستيقظ بداخلي طفلة "أزيلال" يوم وقفت أمام الباب المكسورة أول مرة، تحمل لوحة، وتمسك بأصابعها الباردة على كسرة خبز؟
تستيقظ بداخلي خدود جرحها القر، شفاه لوزية خجولة ويابسة.. وأقلام ملونة تقرضها أسنان لبنية..
كلما كتبت أتذكر قساوة البرد ورؤوسا محلوقة تطل من جلابيب صوفية، وعيونا بلورية تلعب في أحلام صغيرة القد، تشبه العرائس القصبية..
انها كذبة.. كذبة كبيرة أن نكتب كي ننسى او كي يتذكرنا الآخرون.. وكذبة أكبر أن نكتب لنقول الحقيقة..
ماعلاقة الحقيقة بالكتابة؟ 
أغدو الآن "هوميروس" أقف على أبواب الحضارة وأخطب: أيها الناس.. اكتبوا فالكتابة خيال..والخيال كذب..والكذب ابداع. يغضب افلاطون فيركلني بقدم الفضيلة.. أسقط خارج المدينة فتتلقفني يد "اوغسطسيوس": 
- لاتحزن أيها الحيوان الكاذب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق