الخميس، 25 أبريل 2019

بوق الديمقراطية

أنت لم يحملك السيل مرة مع الحجارة الكبيرة..
لم يجرح القر انفك وأصابعك الصغيرة..
لم تنتظر موسم الحصاد وقدوم الضيوف
لكي تشبع..
لم تجرب مع القنفذ و الفراشة والزهرة
كيف ترتع..

أنت لم تصبك تلك الحمى..
التي لا تشفى..
الا بحمى..
أشد حرارة وأقوى ..

أنت لم ترقص في عرس الطفلة التي قتلها طفل يكبرها بقليل..
ملؤوا بالكحل عيناه..
علموه كيف يركب على الفرس القصبية..
وقالوا: هيا أيها الولد الكبير
جرب لعبة اجدادك..
اجرح كف الصبية..

لم تفقد أمك..
وهي تلد على ظهر البغلة أختك هنية..
لأن قريتك بعيدة..
ومنسية..

أنت لم تقص من الدنيا..
لأن المقابلات كانت بالفرنسية..
فلماذا لماذا يا بوق الديمقراطية؟
تخطب فينا بلا أهلية..
عن الفقر والتهميش وحقوق الانسانية؟

الثلاثاء، 23 أبريل 2019

مات الشاعر..

الى روح الشاعر العربي..
الذي صعقة المايكروفون.. فمات..
****
مات الشاعر..
علقوا المايكروفون الى أجل غير مسمى..
نكسوا الأعلام ولو مرة..
رثاء للذي مضى..
كما يليق بالشاعر مضى..
بين أحضان القصيدة مضى..
في عرس الكتاب مضى..
في حضرة عشاق المعنى..
مضى..
وترك  الرسالة..
هل وجدتم الرسالة..
نعم انها في يد الطفلة التي كانت تحمل الوردة..
هل فتحتم الرسالة؟
ألن تقرأوها كما فعلتم بالقصيدة؟
اسمعوها من فم الطفلة..
يقول لكم الشاعر:
كتبت بالحرف مرات..
فلم تقرأوا..
كتبت بالدم مرات..
فلم تقرأوا..
كتبت وكتبت..
حتى جننت..
ولم تقرأوا..
كتبت وكتبت حتى انتحر عبد القادر..
في فندق منسي كأي مسافر..
فلم تقرأوا..
فاقرأوا هذه المرة..
قصيدتي المصورة..
اقرأوها يا عشاق الفرجة والمشاهدة..
أنا الذي قدم الماضي من العمر..
كي تقرأوا القصيدة..
أنا الذي وقف ليلقي القصيدة..
فألقته كي تتفرجوا..
وتفهموا..
يا لقساوة المشهد!
هل أثر فيكم المشهد؟
رأيتكم تبكون مع الباكين..
وترثون مع الراثين..
لا تحزنوا علي..
أنا الآن أشرب قهوتي المشتهاة مع جبران ومي زيادة..
ولكن أجيبوني كي أرتاح في مرقدي..
هل شاهدتم قصيدتي المصورة؟
هل أعجبتكم النهاية؟
هل وصلت الرسالة؟

صديقتي المغتربة..

قالت صديقتي المغتربة:
تعبت وأريد العودة..
قلت:  تعالي نسأل الوردة..
عن أسرار الموت في حضن الشوكة..
عن قصص الشمس التي تسقط ورقة ورقة..
وعنا..حين كنا..
تعالي..
حطي رأسك هاهنا..
أغلقي عينيك الحجلية..
تتذكرين حذاء الضوء؟
ضفيرتك المخملية؟
تتذكرين وجوه المحبين؟
ورسائل العاشقين؟
أول عطر فتحناه معا فاندلق؟
من يدك  أم  يدي انزلق؟
ففاح السر..
وتهامست علينا نساء الأفق؟
تضحكين؟
لاتفتحي عينيك..
دعيك كما أنت
نامي على صدري..
اسمعي قهقهات الطفولة في قلبي..
تفرجي على ألعابنا وأشيائنا الصغيرة..
كما تركناها..
هذي دميتك..
وهذا دملجي..
هذا راديو الكاسيت الذي خبطتك به خالتي..
لم يتكسر..
لم يتكسر..
لكن الجناح تكسر..
القلب تكسر..
والرأس الصغير المشاغب تكسر..
تتذكرين سناء و رقية؟
تتذكرين حروب الدراهم؟
العلكة؟
سندويتشات التونة الحارقة؟
والتفاحة العسلية؟
تضحكين؟
هيا ارفعي رأسك وانظري الي
هذي الملامح ليست لي..
وتلك العيون ليست لك..
هذه المريم ليست أنا..
وهذي الحياة لست أنت..
لقد متنا..
مع ألعابنا الطفولية متنا..
حين اندلق العطر متنا..
حين فاح السر متنا..
حين سمعنا الأغنية وبكينا متنا..
حين كسرنا البيضة وضحكنا متنا..
ومتنا ميتتنا الأخيرة حين افترقنا..
فهل يعود يا حياة  الموتى؟

الاثنين، 22 أبريل 2019

الى تلميذ بلا نسب..


بين جدران المدارس قصص حزينة جدا..
إلى تلميذ بلا نسب:
مرحبا أيها الوجه الحزين..
أعرف وقع خطواتك، أميزها بتلك الطرقات المتعبة، التي تكتب الألم على سطح الأديم..
ها أنت تدلف إلى الحجرة، باكيا كالعادة، تبللت الرموش بدمعات الصباح ، والقلب الصغير اتسع جرحه الأول..
وصفحة العقل البيضاء، سطر عليها القدر آيات المحنة..
رأيتها تمسك يدك، تمسح بكم الندم دمعتك، وتطبع قبل الابتلاء على فمك..
كم تشبهها!  من تراك تشبه أيضا؟
لا تسألها.. فالسؤال أكبر من كبدها المتآكل، وأقسى من عيونها الصدئة..
لا تسألها .. فالسؤال مذبوح في صدرها.. و وجه الغائب تابوت إلى الأبد..
ما بها الهامة كسيرة دوما ؟
هات عيونك أقرأ تراتيل الضياع فيها..
أموت على ضفاف الدمعات الصغيرة، عمرا آخر..
أشرب عذابات الطفولة.. وأصلي لوجه لا يجيء..
أنا أسمع ذلك السؤال بداخلك..
أسمعه كطلقات الرصاص، يتردد في صدرك، فيرتد إلى مسامعي صداه.
نعم أيها الوجه الحزين.. حين سؤال الكينونة ينخر أضلعك، أسمعك تصرخ بلا صوت:
من أنا..؟ لماذا أنا..؟
هي ذي إرادة القدر أيها الفراش المجهول.. شاءت الآيات المسطرة، أن تولد بجناح واحد..
فهل يطير الفراش بجناح؟
ماذا يمكن لقطعة الحلوى أن تنسيك ؟
وأي فرحة تحسها وسط ملابس العيد ؟
إلى أي الحدود طائرة الورق تحملك ؟
وأي الأشياء تملأ فراغات روحك ؟
أعرف ما تحسه حين ترى العنادل فوق أكتاف آبائها ترتع.. وتقهقه..
أعرف ما تقوله حين ترى الكتكوت، يجري خلف الديك المنقط..
أسمعك حين تجوب الفضاء بعيونك الفارغة..
بحثا عن شيء ضائع..
عن طيف يشبه لونك..
عن يد تدون اسمك ..
عن دم يحمل فصيلتك..
أو صورة تقف فيها ضاحكا بين وجهين..
لا صورة أيها الفراش المجهول ،لا دم ، ولا يد..
وحده الصبح قد يزف ذات شقشقة وجها تشبهه ..
وحدها الريح قد تحمل ذات صفير ، جناحك الناقص..
وحده القدر يكفل حاضرك ومستقبلك..
فاحمل الهم على كف الرضا..
وابتسم..
هيا ابتسم..

الأحد، 21 أبريل 2019

مهلا أيتها التكنولوجيا.. أصابع ذكية وعقول غبية..


سألت ابن السادسة وهو يشد على لوحته الالكترونية بشغف ويلعب لعبة المغامرة المفضلة عنده..
هل استظهرت سورة الضحى؟
قال: ردديها معي كي أحفظ..
بالمقابل هو لا يحتاج من يقوده كي يتحكم بالمغامرة وبتقنيات الافلات من الوحش.. انه لا يحتاج مساعدتي لتخطي حفرة الموت وقتل كل المقنعين الذين يعترضون طريقه نحو الفوز..
هل هذه عبقرية؟ هل طفلي ذكي؟
بعد انتهاء اللعبة طلبت منه أن يحكي لي في دقيقة شيئا عن مغامرته التي دامت نصف ساعة؛ لكنه لم يستطع..
ابتسم وقال: أمي لا أفهم ماتطلبين بالضبط.. ولكن عليك أن تلعبي وتجربي بنفسك..
ثم طلبت منه أن يوظف شيئا من المهارات التي تعملها في لعبته؛ كالقفز والتسلق وسرعة البديهة.. ويدبر طريقة بستظهر بها السورة..
فقال: كيف ذلك يا أمي؟ ان ما طلبته لايصلح الا باستعمال أصابعي..
قلت: هيا استعمل اصبعك تهج ورتل الآيات واحفظها بسرعة البرق كما فعلت مع لعبة الوحش..
فضحك كثيرا واستغرب وأخذ يقرأ وعيناه لاتنفكان تطاردان لوحته الموضوعة على المكتب..
وما ان سحبتها وخبأتها حتى زاد قلقه.. وتشتت تركيزه وكأني سحبت معها خيوط عقله..
معضلة كبيرة.. هذه الأجهزة الذكية تشن حربا شرسة على الذكاء الطبيعي للصغار..
ان الطريقة التي تصمم بها تلك الألعاب سلوكية بامتياز، يتوهم الطفل أنه ينجز تقدما.. بينما هو لايسلك الا طريقة من بين طرق الروبوت في الهروب.. ويعتقد أنه يستخدم عقله للعثور على المخرج. .بينما هو يتبع الطريق الموهمة المبرمجة مسبقا والتي يشير اليها المبرمج بطريقة مباشرة أو غير مباشرة..
أتذكر سنواتي الأولى في المدرسة..كان ذلك في أوائل الثمانينات..
لم تكن التكنولوجيا قد عرفت بعد طريقها الينا..
  كنا نشتغل بالبحث وعلى البحث.. وكانت الكتب على ندرتها غاية لاتدرك.. كانت عقولنا هي الآلة العجيبة التي نملك، فكانت تتحرك وتعمل، تفكر وتحلل وتتخيل.. نفوسنا لم تكن ترتاح الا بين الكتب، وعيوننا لا تنام الا وهي تطالع..
كانت الأجيال تتمتع بقدرة عالية على التخيل والتأليف والتصوير اللغوي والسفر خارج الحدود..
كنا نقرأ ونكتب، ولم يكن بيننا من لا يملك  مفكرة، يحملها معه  أينما ذهب، وحين ينام يتوسدها..
يسجل عليها دويناته..يومياته.. أشعاره أو قصصه..العلميون كما الأدبيون..الكل كان يكتب..
وأتذكر بعد تخرجي وعملي كمدرسة وكان ذلك مع بداية سنة الألفين أتذكر كيف أني لم أستغرب.. حيث لم ألمس الكثير من الفرق بين الخصائص الفكرية لجيلي وبين الخصائص الفكرية لأطفال جبال الأطلس البعيدين عن كل ماهو تكنولوجي..
كانت القرى الجبلية معزولة عن العالم.. والأطفال هناك لا يعرفون الكمبيوتر، والتلفاز والصحون الهوائية، والهواتف الجوالة التي بدأت بالانتشار لم تصلهم بعد..
فكنت ألمس لديهم ذلك الخيال الواسع، وتلك القدرة على التعاطي مع وضعيات التعلم بجدية..
كان ذكاؤهم الفطري يتطور في انسجام مع مراحلهم العمرية ويتغذى على الطبيعة والجغرافيا.. وأفكارهم كانت تتبلور يوميا وتتجدد بالبحث والتقصي ومحاولة التجريب.. فتتشكل تلك الشخصية الفضولية التي تسأل باستمرار.. وتتعبك خلال الدرس.. كان التلاميذ يسألون كثيرا، ولا يتركون صغيرة ولا كبيرة الا وقفوا عندها..
واليوم ومع ظهور الأجهزة الذكية وانتشار التكنولوجيا.. بدأت البلادة تنتشر.. تراجع ذكاء الأطفال داخل الفصول الدراسية، وتشتت تفكيرهم وفقدوا الشهية للكلام مع البشر.. وباتوا لا يرتاحون الا وهم يحركون العالم بأصبع..
ان بناء عالم ذكي فكرة غبية..فحياة الرفاهية التي تتحقق بكبسة زر وضغطة أصبع.. ساهمت الى حد كبير في خمول العقل الانساني، وركود الخيال والابداع.. كما تراجع دور اللغة في التخاطب والتواصل والتعبير.. وحلت مكانها الأيقونات والرموز والعلامات، ولغة أخرى اخترعها الشباب مليئة بالاختصارات التي لا يفهمها غيرهم؛ لغة عجؤبة مبتكرة أكثر سرعة وفاعلية تتناسب وايقاع عصرهم..
وقد اثبتت الكثير من الدراسات العلمية الأخيرة أن معدل الذكاء البشري الطبيعي يتراجع بشكل كبير وأكبر دليل انتصار الآلة على الانسان في أداء مهام كثيرة كالمعاملات البنكية والطيران وأنتصارها عليه في بعض الألعاب كالسطرنج..
كما أثبتت المختبرات العلمية أن الجينات الحاملة للذكاء الانساني في طريقها الى الانقراض، وجيلا بعد جيل يصبح الانسان أقل ذكاء.. ويتحول الى كائن مستهلك يعتمد على الآلة في كل شيء..ويمكنه التخلص نهائيا من خصائصه العقلية والتعاطي اوتوماتيكيا مع الآلة بطريقة قريبة الى طريقة الكلب والجرس..
وادراكا منه لخطورة هذا الغزو أكد فريق من الباحثين البريطانيين في كلية كامبردج؛ عزمه على دراسة السبل الكفيلة بمقاومة الذكاء الاصطناعي، وحماية الذكاء البشري الطبيعي.. وتأتي هذه المبادرة  تداركا للباقي من الانسان على وجه الأرض..
ونحن كمربين وآباء  واعون جدا بخطورة هذا الزحف التكنولوجي الشرس والغير الموجه الذي سيطر على عقول الصغار وأغلقها حتى لم تعد تمارس التفكير الا داخل عوالم افتراضية..
لا يملك  تلميذ اليوم القدرة على كتابة رسالة شكر.. كما لا يتمكن من فتح حوار مباشر مع سائح أجنبي.. بينما يتقن فن المحادثات الكتابية والصوتية وكذا التي بالصوت والصورة..
وهو يملك الجرأة والشجاعة  لبناء صداقات؛ مئات الصداقات على مواقع التواصل الاجتماعي.. بينما لا يملك صديقا واحدا في حياته الواقعية..
بأصابع ذكية وعقول مقفلة غبية تستعمل التكتولوجيا أطفالنا.. تقضي على براءتهم.. تقتل خلاياهم وانفعالاتهم.. وتحولهم الى مستهلكين ومذمنين..
فمتى يعيش الأطفال الحياة الفعلية؟ ومتى يتواصلون مع العالم؟ متى يجدون الوقت للتمييز بين الخير والشر؟ وكيف يحددون الجيد من السيء؟ وأية معايير لعالم مجنون تحركه أياد خفية..

الخميس، 18 أبريل 2019

كل الذين حلموا بالحرية..

كل الذين حلموا  بالحرية..
ألقي عليهم عليهم القبض..
أحرقت أوراقهم..
أتلف رفاتهم..
حذفوا من سجلات الوطن..
نساهم الجميع..
الا أمهاتهم..

كل الذين حلموا بالحرية..
اختفوا  في الحبس..
كتبوا على الجدران أعوامهم..
حفروا أسماءهم..
رسموا وجوه زوجاتهم وأطفالهم..
أخذوا  عفوا..
فخرجوا الى الدنيا..
يمشون بلا رأس..

منها.. الى رجل..

أيا أنت..
لصمتي أسماء لا تحفظها..
و ألوان لا تعرفها..
كم مرة يا وجَعي..
رقََصْتَ على وجعي؟
كم مرة عصرت ملامحي ؟
كسرت أصابعي؟
كم مرة أبكيتَني؟

أياقدري..
وحدي اخترت الخلود معك..
ككوبرا أليفة..
غيرت كسوتي عشرات المرات..
بين مسارات قلبك..
كسرت أنيابي..
تخلصت من سمي..
كي أحضنك..

أيا سفري..
لماذا أنا؟
سكبت العذابات في قلبي..
زرعت صغار الشوك في شرفتي..
قتلت عصافير الصباح..
و انتظرْتَ خروجي..
ها أنا ذي..
بلا وجه..
كما تحبني..
مبتورة الحلم و الأصابع..
كما تشتهي..
أصلي لموتي القادم ..
أمزق كسوتي الأخيرة..
و أعلن قيامتي.

نحو سماءات الفرح..

مد الكف نحوي أيها الوجه الحزين
ودعني أقطعك سفرا طويلا لا ينتهي
نحو سماءات الفرح أقطعك
كفراشة هزها البريق..
أموت فيك قليلا
أكنس بجناحي رماد الطريق..
وأعرج على رصيف الروح
كريح شرقية ولود
أقود المزنات إليك
أطرد الذكرى بزفراتي 
أمسح بأصابعي على الجروح
أمتطي فيك صهوة المستحيل
وخلفي أسراب من العصافير
مئات الأجراس المقدسة 
وقمر صغير
فتمسك..
تمسك  بتلابيب حلمي أيها الوجه الحزين..
أحملك معي نحو أفق جديد.. 
نحو ترانيم الملكوت.. 
نحو المدار الزهري اللامسكون..
حيث الماء من نور و فتون
حيث الألوان والأشياء جنون..
هات كفك أغسلها
أقبلها.. 
وألفها بين الجفون..
فتشتعل الشمس من جديد..
يكمل القمر استدارته.. 
وتولد للعصافير أجنحة من قصيد..

الأربعاء، 17 أبريل 2019

عندما باع علي ذمته مقابل لعبة اليويو..

لمحتهما.. فغضضت الطرف حتى لا يشعرا بملاحقة نظراتي.. انتابني الفضول أنا المعلمة لمعرفة كيف تنتهي معركة المساومة بين تلميذي من يربح منهما ومن يخسر، من يبيع منهما ومن يشتري؟
خلال حصة الاستراحة وقف أحمد بشخصيته القوية أمام علي وأخذ يداعب لعبة اليويو الخضراء ويرميها من يمناه الى يسراه وعينا علي تتابعان وتكادان تخطفانها..
فهمت من حركات كليهما أن اليويو هو موضوع العرض..
انتهت فترة الاستراحة وانتهت معها معركة الذمة والشرف
سلم أحمد اليويو لعلي.. علي باع وأحمد اشترى..
ضربا خمسة بخمسة وفرقهما صوت الجرس..
وما ان دخلنا الى الفصل حتى جاءني المدير باحثا بين الوجوه الصغيرة عن متهم، ومعه ضحية ترشده الى الفاعل الذي جردها من كل الأدوات المدرسية ومزق كرزها الجديد..
وقبل أن تستقر عين الضحية على أحمد كنت قد عرفت أنه هو المبحوث عنه، وعرفت أن لوقفة المفاوضة على اليويو قبل قليل دخل كبير بالموضوع..
اشتكت تلميذة السنة الثانية  وبكت من الظلم الذي طالها، وترك لي المدير حرية التصرف وذهب..
سألتها: من يشهد معك؟
قالت: علي كان معه يا أستاذة ورآه يفعل..
واقتربت الصورة من الاكتمال في ذهني، وأنا أشاهد ارتباكة علي وتحسسه المتوالي للعبة اليويو في جيب سترته الأيمن.
وما ان ناديته حتى قال بأعلى صوته: لا يا أستاذتي انها تكذب أحمد بريء.. وأنا لم أر شيئا مما قالت هذا الصباح في الصف..
اكتملت الصورة..
لقد باع علي ذمته وشهد زورا مقابل لعبة اليويو..
وقفت حائرة كيف اتصرف؟ ومن أين أبدأ؟
لم أنشغل كثيرا بعقوبة الطاغية الصغير الذي جرد زميلته من ادواتها ثم راح يقدم رشوة لزميل آخر تسترا على فعلته..فهذا أمره سيحل في الادارة باستدعاء ولي أمره وبعدها يأخذ درسه الخاص..
لكنني انشغلت أكثر لمصيبة الكذاب والمزور الصغير الذي قبل على نفسه المساومة وباع بأرخص ثمن ذمته الغالية..
لقد انزلقت عن توازني وبدأت اصدر أحكاما قاسية وكبيرة على نفوس صغيرة. اذا كنت انا الكبيرة أرى اليويو شيئا عاديا وبسيطا، فعلي الصغير يراه شيئا كبيرا ومهما، وككل الأطفال هو يحلم بامتلاكه..
ولكنه لا يعرف بعد قيمة الشرف والكرامة وقيمة الرجولة والذمة..
فكلها معان مجردة لم تبنى بعد ولم يفعل حسابها في نفس صغيرة طور التكوين..ولذلك قامر بها كلها مقابل مايلمس ويحس ويرى..
هذا الدرس لا يحتمل التأجيل ويجب أن يعطى الآن..
لم أتأخر  كثيرا في التصرف وقررت ان أسحبه الى جانب  بعيد عن مسامع ونظرات الآخرين..
ثم تراجعت.. هذا الدرس مهم جدا ويجب أن يأخذه الجميع..
غيرت عنوان الحصة وكتبت على السبورة البيضاء بحبر أحمر:
أنا شريف أنا لست للبيع..
وأخذت أحرك النفوس الصغيرة، كقطع على رقعة السطرنج،
حولت الصغار كلهم الى فرسان من الشهامة والرجولة والمروءة..
تحدثنا عن الذي يقبل قطعة الحلوى كرشوة .. وعن التي لا تنجز طلبات أمها الا اذا أعطتها مقابلا.. عن الذي يكذب ارضاء لزميله، أو خوفا منه..
تحدثنا وتفاجأت بقصة أحدهم.. أخذ الكلمة وقال: أستاذتي أمي أيضا أعطت نقودا كي يصدر جواز سفرها بسرعة..
من قال ان الصغار لا يفهمون؟
نحن من لا يفهم ولا نختار بعناية ماذا نعلمهم ..
كأننا نستهين بهم فنمدهم بالقليل والصغير والمنقح والخفيف.. بينما هم بحاجة الى دروس كبيرة، يواجهون بها هذه الحياة الكبيرة والمحفوفة بالخطر..
انتهى الدرس..
لملم الصغار أدواتهم وعيون علي لم تفتر من الدموع طوال الحصة.. فرأيته يتحرك باتجاه أحمد يمد له لعبة اليويو ويتوجه نحوي برأس مطأطأة:
لن أعيدها يا معلمتي..
قلت: ارفع رأسك ياعلي.. الرجال لايبكون انهم يصححون أخطاءهم وها قد فعلت..
انهم ليسوا للبيع وها قد أصبحت..
هيا ابتسم.. واعلم أن الذي ساومك اليوم على ذمتك وقبلت..
سيأتي غيره  ويساومك غدا على أشياء لا ينفع معها الندم..

الثلاثاء، 16 أبريل 2019

السور الذي يعبر المدينة..

السور الذي يعبر المدينة

في صباح يوم عاشوراء، أيقظتني مبكرا، ونقعتني بثيابي في سطل ماء، رددت تراتيلا، لم أفقهها، ثم نشفتني بخرقة بالية، وألبستني الفوقية اللعينة، تلك التي تذكرتني بذلك اليوم المشؤوم، يوم قطعوا حشفتي بمقص حاف، ورموها لقطة جائعة ،أسفل المائدة.
لقد قصرت فوقيتي، ومع ذلك أسرت في أن ألبسها.
وضعت في كفي كعكا صغيرا مدور،وتمرات قليلة ،و في الكف الأخرى ،وضعت حمصا مالحا ، وبعض التين المجفف .
ثم قالت: - هيا اركض، وانتظرني عند البوابة الكبيرة، للسور الذي يقسم المدينة، سنزور أباك.
ركضت أتقاسم ما ضمته حفنتي مع الصبية، والصبيات،وأقطف بعضا مما حوت أكفهم، وحدها صفية ابنة العرافة ، لم تشأ تقشير بيضتها الساخنة ..
ها هي قادمة ، تتلحف إيزارتها البيضاء الممزقة، كلقلاقة شاردة، تحث الخطى نحوي، لتمسك بيدي، وتجرني كخيط خلفها، بينما أجر أنا ،مذاق البيضة الساخنة ، في خيالي الجائع.. 
ها قد بلغنا السور العتيق، هذا الأبيض الوقور، الذي لا يتحرك من مكانه، سقطت أجزاء كثيرة منه، وباتت أبوابا مختصرة للراغبين..
- أمي: لماذا هذا السور؟؟
- لهم عالمهم ،ولنا عالمنا...
- ولماذا السور يا أمي؟ إنهم موتى، والموتى لا يؤذون الأحياء؟؟
- ولكن الأحياء يفعلون؟ لا تنظر على يمينك، هناك رجل يدير وجهه إلى السور، اخفض عينيك.
- لماذا يا أمي؟ ماذا يفعل؟
- إنه يتبول، لا تفكر يوما بفعل ذلك. 
دخلنا المدينة، عالم الأموات، يعج بالأحياء، وأي أحياء.
-أمي انظري، ماذا يفعل أولئك جنب السدرة؟؟
- إنهم يشربون، لا تنظر باتجاههم ،اخفض نظرك ،لا أريد أن يمزق إيزارتي المتشردون؟
- ولكنها ممزقة بالأصل يا أمي..
- اخرس، هيا..
بلغنا قبر أبي؟
معظم القبور عليها رخامة، بها تدوينات لأسماء، وتواريخ ،ماعدا قبره،هي تعرفه بحجرة صماء كبيرة، وبعشبة الحريكة الحارقة، التي اشتعلت فوقه.. وكيف لقبر أبي الذي مات جائعا، أن تنبت فوقه الرياحين؟؟
-اجلس يا محمد هناك ،عند رأس أبيك، واقرأ على روحه ،ما حفظت في المسيد من قرآن.
كانت هذه فرصتي، لأكسب ود أمي، ورضاها، لعلها تطعمني بيضة ساخنة، لما نعود..
جلست أقرأ، وأقرأ، أخلط السور مع بعضها، وأقفز عن الآيات، وهي تشجعني، بابتسامة مطلية بالسواك ..
عيناها المدورتان جفتا من الدموع، وجحظتا تأثرا بقراءتي،ربما تقول في نفسها :ها إبراهيم حفظ القرآن، وبات يوفر علي أجرة الفقيه التمتام. و ربما تقول أيضا: - سيصير إبراهيم في يوم من الأيام، فقيها، في جامع بإحدى القرى المجاورة، فأرحل معه وأترك هذا العناء..
-لقد أنهيت يا أمي، قولي: صدق الله العظيم.
نفضت عن فوقيتي غبار القبور، بينما رائحة الموتى التصقت بكل جسدي، ثم رحت أرش نبات الحريكة الحارقة ببعض الماء، حتى تظل مشتعلة، فلا يتوه قبر أبي..
-لم تجيبيني أمي: كيف يؤذي الأحياء الأموات؟
- أنت سليط اللسان، صدعت رأسي هذا الصباح.
و توقفت أمي تبوس في سعيدة العرافة، وابنتها صفية، أم بيضة ساخنة، تجاذبتا أطراف الحديث، وثرثرتا قليلا، ثم ودعتها أمي بابتسامة صفراء، سرعان ما ألحقتها بالشتائم والبصاق..
- ما بك أمي ؟؟
- تلك الساقطة اللعينة، التي لا تعرف الله ،هل تحسبها تأتي للترحم على زوجها؟ إنها تأتي لسرقة تراب القبور..وقطع أصابع الموتى ..
- وماذا تفعل بها؟ هل تأكلها؟؟
- اصمت، وإلا فعستك برجلي.
خرجنا من مدينة الموتى، تركنا السور الأبيض خلفنا، رائحة نتنة تحلق فوقنا، لقد دخلنا مدينة الاحياء ..
في مدخل زقاقنا الكريه، أفرجت أمي عن يدي، فرحت أركض منها، راجعا إلى حيث كنا..
- سأحرس قبر أبي، كي لا يسرقوا أصابعه.
مريم الوادي
شتنبر 2011

ظل أبي..


ظل أبي..
لا أتذكر ملامحه جيدا، فقد رأيته مرات معدودة..
كان يخرج باكرا للقنص.. فلا نرى منه، سوى ظله البعيد.. ونظل نرقب الظل، حتى يختفي عن أنظارنا..
كانت الدنيا فضاء، و"يافا" تمتد شاسعة أمام عيوننا..
كانت المنازل ما تزال تبتسم، وحقول القمح، تمتد على مد البصر..
و كان الزيتون، أخضر، أخضر..
- لقد وصلوا.. لقد وصلوا..
- هكذا تردد على ألسنة الصغار، والكبار..
لم يعد أبي يخرج للقنص بالنهار، فبتنا نراه أكثر.. رأيته لأول مرة، كيف يأكل، وسمعته كيف يتكلم..
كان يردد : "أولاد الكلب" كثيرا في حديثه.. 
وحين يلوح الظلام يحزن وجه أمي، فتقف لتودعه.. 
و نتساءل نحن:
هل تخرج الأرانب ليلا؟؟ وهل تطير الحمامات؟؟
فتقول أمي: إنه ذاهب لقنص طيور الخوذة..
نتكوّم تحت البطانيات، نتخيل طيور الخوذات، وهي تحلق، يتربص بها أبي، ويسقطها، تباعا..
تتمرغ طيور الخوذات، يرقص أبي.. وتقهقه البندقية..
- هذه الطيور تقنص للمتعة فقط، صيدها حلال، وأكلها حرام.. يقول أبي.
لذا، كان لا يحملها لنا..و يتركها تغرق، في دمها الأسود.. 
وفي الغد تفوح رائحتها..
وتطوف طيور أخرى، تبحث عن الفاعل، تكسر أبواب المنازل، وزجاج النوافذ..
تفتش العلّية، ومخازن المؤونة، تحت السرير، وبين رفوف الملابس..
تغضب الطيور، ويزداد قبح وجوهها، يتطاير رذاذ نجس من أفواهها، تضرب بأجنحتها عرض الحائط.. وتهدد بالعودة لاحقا..
يخيم الصمت، نحبس أنفاسنا، وترتفع دقات قلوبنا..
أبي لم يرقص، وقهقهات البندقية، لم نسمعها..
غاب أبي في ليلة باردة.. وتلاشى الظل البعيد، الذي كنا نرقبه..
كنا أطفالا، لا نتقن لعبة الحزن، والبكاء، على الموتى..
لكن أتقنا باكرا، لعبة مطاردة، طيور الخوذة.. 
تلبس هدى المقلاة الحديدية، في رأسها، وتصعد العلية..
يلبس أحمد "الحَلة" النحاسية، في رأسه، ويتسلق العريشة ..
و أحمل أنا البندقية ، وأتربص بهما..
- اِنزل من برتقالتي، أيها الكلب.
-- إنها برتقالتي.. والتاريخ يشهد.
- وكيف يشهد لك التاريخ، أيها الخنزير؟؟
- جدي الكبير مدفون تحتها..
- حتى برتقالتي.. تحتها جدكم..
- نعم.. نعم، لنا جد تحت كل بيت، من بيوتكم، وتحت كل شجرة من أشجاركم..
طاق.. طاق.. يعلو صوت الرصاص.. وأُسقِطُ طائر الخوذة..
أرقص كما كان يفعل أبي، وتقهقه البندقية..
-تطل هدى، من نافذة العلية، وترفع رشاشها في وجهي:
- ارم بندقيتك..وسلم نفسك، أيها الهمجي.
هي فوق، وأنا تحت..
طائر الخوذة المؤنث، سينسفني..لا بد لي من حيلة..
لقد عادوا..
-البندقية.. البندقية.. خبؤوا البندقية.. 
فتشوا العلية، ومخزن المؤونة، تحت السرير، وبين رفوف الملابس..
-أين هي؟؟
- ما هي؟
- البندقية؟
- اختفت حين قتلتم أبي، لم تعد موجودة..
يعلو صراخهم.. تحمر عيونهم، تزداد وجوههم قبحا.. يتكلمون لغة أقبح..
و يهددون بالرجوع..
يعمّ الصمت، نحبس أنفاسنا، وترتفع دقات قلوبنا..
-لقد خرجوا..
نبحث عن البندقية.. فلا نجدها..
في كل مكان نبحث، لا أثر لها..
بكينا على ضياع البندقية، كما لم نبك على موت أبي..
كيف نطارد طائر الخوذة بلا بندقية؟؟
و فجأة نسمع قهقهاتها، لقد عادت، كانت تختبئ في مكان لا نعرفه..
نعاود اللعبة، مرات ومرات.. يغالبنا النعاس.. ننام بين الدم، والرصاص، و الجثت.
و نستفيق على طَرَقاتهم، وهي تكسر باب المنزل..
الباب الذي سقط أكثر من مرة..
-في بيتكم بندقية.. رأيناها تخرج من هنا.. وتسرح في المدينة..
لقد اغتالت طيورا كثيرة..
ننظر إلى بعضنا بعضاً.. يغمرنا الخوف..
-كيف تقنص البندقية من دون قناص؟؟
فتشوا في كل مكان..
أخرجونا من المنزل.. وأضرموا النار ..
احترقت البرتقالة..
والعلّية..
ومخزن المؤونة..
احترقت ألعابنا، وتفحمت كراريسنا المدرسية..
المنازل جريحة.. وعيون يافا تدمع..
حقول القمح دكتها الدبابات..
وشجر الزيتون، ذبحته الخناجر..
وحين انتصف الليل، سمعنا قهقهاتها..
رأيناها تخرج.. تنفض الرماد عن وجهها..
يحملها رجل كالظل..
رجل يشبه من بعيد ظل أبي..
مريم الوادي5/5/2012

لعبة الكتابة -١-


اكتب.. جرب أن تكتب ..لعلك تلامس الوهم..أو تمسك بخيط العقل الأخير..
جرب أن تكتب بشيء من دمك لتشاهد كيف ترقص الأرواح المذبوحة وهي تقاوم التعري والانكشاف..
انها لعبة للضياع.. نعم؛ لم تكن الكتابة يوما ملاذا للراحة، انها ذلك الاختيار الحر واللاشعوري الذي يقودك نحو حتفك الأخير..نحو الاجهاز على آخر أنفاسك.. تتعمد أن تضيع من نفسك .. فلا تنجح الا في تضييع وتضليل الآخرين..
حين كنت أقرأ بنهم كانت تلك بداية اللعبة.. وكنت أسقط تباعا خلف هوسي ولا أركز.. لا أقوى على التركيز لأني أذمنت ذلك الجنون المسمى "قراءة"، وكان ذلك السقوط المتتالي شبيها بالانتحار المخلوط بالتحدي.. وكلما قرأت كنت أقترب من حتفي، كنت أقترب من بداية اقتراف الكتابة..
لماذا أولى الكتابات تكون أقرب الى البراءة وأكثر ميلا الى الصدق؟
لماذا أضحك كلما قرأت محاولاتي الأولى؟
تصيبني هستيريا التعجب والاستغراب.. يا لها من سذاجة! 
تنعكس تلك الروح الشفافة المبتدئة المتلهفة للبوح..لقول كل شيء.. انها اولى بطولات الفيض.. نسقط في فخاخ الاعتراف..وما ان نسقط حتى يستيقظ فينا ذلك الحيوان الكاذب فنبدأ بالكتابة للمرة الثانية.. بتعديل تلك الجمل..وحذف بعض الكلمات.. نراجع الأسرار بتوجس فنعيد صياغة النص.. نكتب بطريقة أكثر ذكاء.. نحترف الكذب..ونصا بعد نص ننجح، ونصبح كتابا مخادعين نتقن
 كيف نقول، وكيف لا نقول.

لعبة الكتابة -٢-


لا أريد أن أكتب.. أنا أبحث عن هواية أكثر فتكا بالإنسانية.. عن موت فرعوني يحنط جمجمتي، أو آلة تخذير أفعوانية أنزلق فيها عن وعيي، فتساقط من رأسي علامات الاستفهام وتضيع الفواصل، تعترف بالسر نقاط الحذف والأقواس المغلقة تفتح أبوابها..
ماأقسى الكتابة!
كلعنة الهية تطارد الحالمين والعاشقين، المفكرين والمغمورين فتقتلهم ..
أو كيد شفافة خفية تعبث بأرواح الملائكة فتحرضها على الخيانة..
منتهى الخيانة أن تكذب الملائكة وتمسح أخطاءها من دفاتر الشمال..
الكتابة حياة..
ولماذا أنا كلما كتبت أموت وكأني أحفر بفؤوس الحروف تابوتا من وهم؟ أو أرسم على أصابعي وشما أبديا، يتغذى على رماد الذاكرة؟
لماذا كلما كتبت أتذكر الأخطاء، الوجوه والدموع، ووصايا الصبر المبجلة؟ أتذكر نساء الأرز المقوسات تحت كومات الحطب، وأطفال الثلج النائمين بلا بطانيات؟
لماذا كلما كتبت تستيقظ بداخلي طفلة "أزيلال" يوم وقفت أمام الباب المكسورة أول مرة، تحمل لوحة، وتمسك بأصابعها الباردة على كسرة خبز؟
تستيقظ بداخلي خدود جرحها القر، شفاه لوزية خجولة ويابسة.. وأقلام ملونة تقرضها أسنان لبنية..
كلما كتبت أتذكر قساوة البرد ورؤوسا محلوقة تطل من جلابيب صوفية، وعيونا بلورية تلعب في أحلام صغيرة القد، تشبه العرائس القصبية..
انها كذبة.. كذبة كبيرة أن نكتب كي ننسى او كي يتذكرنا الآخرون.. وكذبة أكبر أن نكتب لنقول الحقيقة..
ماعلاقة الحقيقة بالكتابة؟ 
أغدو الآن "هوميروس" أقف على أبواب الحضارة وأخطب: أيها الناس.. اكتبوا فالكتابة خيال..والخيال كذب..والكذب ابداع. يغضب افلاطون فيركلني بقدم الفضيلة.. أسقط خارج المدينة فتتلقفني يد "اوغسطسيوس": 
- لاتحزن أيها الحيوان الكاذب